لن تكون سوريا مملكة الموت

انا اصل الى الثورة التي عانقتها بكل وجودي عن طريق الانسانيات كالاداب والفن والبحث. افتقاري الى التحليل السياسي العلمي اعوض عنه بثقافتي الانسانية العامة. ولهذا ساناشد واتكلم بصوت الحياة والبقاء فالموت، موت كل شيء حيٍ،  صار اشبه بعبادة شبيحيَة اخترعها وطورها حتى الكمال أبد النظام الاسدي بحيث لا نرى في اجواء سوريا وارضها المثلومة المحروقة الا اشباح الهة ورسل الموت، مناة وكالي وعزرائيل. وكان لا بد  للفناء الاسدي من اجل الافناء ان  يقف ضده فناء اخر من اجل البقاء، فناء طقسي عانق من خلاله السوريون الموت من اجل الحرية والحياة في مستقبل الايام فساد الموت بلا منازع في زمن الثورة. السوريون ليس لديهم خيار فهم يموتون على يد النظام العدمي، كما يصفه الكاتب ياسين الحاج صالح*، وهم يموتون لكي يموت الموت حتى اصبح الموت هو الحياة وقرينها، حتى اصبح الموت الحبيب الموعود، حتى تجَبرالموت في سوريا.  كل شيء يموت في سورية سواء من اجل الاعدام او البقاء.

دعوني اقف وانظر الى عمق اعماق الموت السوري اذ لا بد ان يجتاز المرء الارض اليباب من اجل ان يخلف الموت وراءه. اذا هبط ملاك من السماء او زار ارضنا من ليس بشرا فماذا سيرى؟ الموت: موت المدن، موت القرى, موت الارض، موت الشجر، موت الحجر، موت التاريخ والتراث، موت الاطفال، موت شباب سوريا. الموت ولا شيءغير الموت, ابد من الموت وافاق تغزوها الجثث المتراصة وهياكل الدمار. الشباب يذهبون الى حتفهم وكانهم ذاهبون الى زفافهم بينما تنتظر الفتيات المغتصب. انا لست من الانهزاميين او الجبناء ولكن اسطورة الموت والعدم التى تحفر  فوق اجساد وارواح السوريين انما يكتبها الانقراض وانا اقول انها ابطال للخليقة وانكار لله.  نحن نريد ان يعيش السوريون من اجل سوريا لا ان يموتو او يقتلو من اجلها. اريد لارضنا ان تنشد نشيد الارض لا انشودة الانتهاك والتدنيس.  كما لا اريد لفتيان وفتيات سوريا ان يزفو الى الموت اذ اريدهم ان يكونو عرسان الحياة.  اريدهم ان يعيشو في الله لا  ان يموتو فيه. لااريدهم ان يموتو حياتهم ويحيوا موتهم.  لعلني اتحدث بصوت المرأة التي تهب الحياة وتحميها فهي القوة التي تصون لا القوة التي تدمر.

الشعب السوري ثار من اجل حياة افضل ومن اجل انقاذ الحياة وكرامتها. الثورة ولدت  تحفُ بها المثاليات والاحلام‘  وكم رقص الشباب والشابات في الساحات ورفعوا شعاراتهم ورسموا علي الجدران منتشين  ببشائر الحرية وسوريا جديدة تطل عليهم،  سوريا عادلـة مدنية يحكمها القانون. ولكن العنف والوحشية المطلقة التي شنها نظام الموت وآلاف القتلى، اضافة الى آلاف الجرحى والمشوهين والمعاقين  اباد الوجودية ومفهوم الكينونة واصبح العدم يصول ويجول. لقدفقدت الحياة المعنى والقيمة والمضمون لدى الكثيرين ومنهم الثوار، وعندماتتراجع الحياة يصبح الموت هو المعنى وهو المغزى ويصبح العدم هو الطريق ونهاية الطريق ويعتاد الانسان على الموت. لقد اصبح الموت عادة وافيونا، بل استحواذا يأسر النفوس في كابوسه الرهيب فلا تستطيع الافلات.

مع انحسارالدولة والقانون الجنائي وغياب الشرطة المدنية عاث المجرمون واللصوص في الارض يخطفون و يسرقون وينهبون ويدمرون المواقع الاثرية من اجل الربح. التنسيقيات تحاول المستحيل وقيادةالجيش الحر تسعى جاهدة لزرع الروادع الاخلاقية وا لاعلان بالالتزام بالقوانين الدولية: ولكن ثقافة الموت بل عبادة الموت التي يساعد على انتشارها جهاديو وسلفيو الخارج الذين يزرعون الموت والدمار دون تمييز، تضيف عدميات دخيلة الى الثورة.  كم مرة ستصلب سوريا وتقطع اشلاء؟  كم مرة سيقتل قابيل هابيل ويفترس الفناء الحياة؟ كم مرة  ستموت احلام الشباب والكبار واهازيج الثورة المفعمة بالامل وسلام الحرية؟ لقد لاح في افاق سوريا ولو الى حبين خيال الدولة الفاضلة (يوتوبيا) فرقص الاطفال والشباب والمسنين اذ انفتحت لهم اسرار المثاليات والاخلاقيات. الفنون والادبيات لاتنسى وهي تسجل وتختزن ضمير شعب ثار سلميا ومدنيا في بداية الطريق، قبل ان يخلق طاعون النظام الاسود من سوريا قارة جغرافيتها العنف المطلق والدمار المطلق.  ولكن من طبيعة الفن والادب ان يعطيا حياة لحياة خمدت وهي تخوض صراعا مصيريا، ومن طبيعتهما ايضا ن يرفضا العبث وان يخلدا الروح البشرية في كفاحها ضد قوى الظلام والامحاء ويحفظا عظمة الحياة للحياة المستقبلية  والحياة التي ستولد. ولهذا تجدونني انشد انشودة الحياة في ارض وهبت للموت ولكنها خلقت لتحيا لانها مهد للانسانية.

ان العدم ياتي لسوريا ايضا عن طريق من جاؤوا لكي يجعلوا منها طريقهم الى السماء باذلين ارواحهم من اجل قضاياهم لا من اجل سوريا وشعبها. ليجد الدخلاء مكانا اخر غير سوريا ليكون دربهم الى الجنة.  السوريون يقاتلون من اجل العدالة والحرية. وهم اذ يقاتلون اخوانهم المسلمين ايضا لا يقاتلونهم من اجل ان ينصروا دين الاسلام فسوريا مسلمة في معظمها منذ الفتح الاسلامي. الشعب السوري كما ذكرت، ثار من اجل الحياة الافضل لا من اجل شراء السماء. ان انقاذ النفوس التي حرَم الله اعظم عند الله من شراء جنته.

 وهناك  ملعب اخر للعدم في سوريا يصول فيه ويجول، وهو اعدام الارض والشجر والمدن والقرى والحجر واعدام التراث والتاريخ.  الانقراض يهلك ما انقرض والذي ما زال قائما، ولكانما الانقراض ورث الحياة في سوريا. لقد دافعت على صفحات فيسبوك دفاع المستميت عن حلب الخالدة وآثارها صابة اللوم على اطراف النزاع جميعها.   ونتيجة لهذا تعرضت لعتاب شديد حسن النية مفاده انني يستحسن بي ان ادافع عن الانسان بدلا من ان ادافع عن الاحجار وكان دفاعي عن ميراث سوريا يتناقض مع اتسانيتي، وكأن سوريا ليست الا اجتماع حضارتها وتاريخها وانسانها وارضها. وكان ردي بانه لايمكن ان نفصل الغصن عن  الشجرة فشعب بدون بلد يحتويه وتاريخ يوحده بارضه هو شعب بلا جذور ولا ديمومة له لانه لايمكن عزل الانسان عن ارضه وحضارته. ولأن الانسان يصنع الحضارة فانا اعتقد باننا يجب ان نحميهما معا لانه لا يمكن الفصل بينهما، فهما واحد، والا لما زلنا نعيش في العصور الحجرية وما قبل التاريخ. فالتاريخ بشواهده ينقل الينا علوم واساطير الاولين ناهيك عن المعارف والاديان والفنون والصناعا ت. التاريخ هو الذاكرة والديمومة واستمرارية الحياة. التراث حيٌ يرزق لآنه ذواتنا القديمة المتصلة بين الماضي والمستقبل.

ان الحجر والاسواق القديمة والمنازل والبيوت العتيقة والقلعة في المدينة التي اسمها حلب انما هي متحف حي يتحرك ويتننفس ويحلم وينجب الاطفال وحياة الالاف. ونحن اذ نبكي الحجر والخشب والرخام ومئات السنين من عمل الانسان الدؤوب انما نبكي اسباب معيشة ومأوى مئات اللآلاف من المشردين واللاجئين يهيمون في الارض بدون مأوى على طريق الألام والفا قة والجوع والموت البطيئ. الحجر، القديم منه والحديث قد استباحه جبروت جاهل وحشيٌ بربريُ.

ويحنا لكل هذا الدمار وافناء جميع وسائل الحياة واسبابها ومواردها وامكانية عودتها. كيف تكون الابادة  خبزنا اليومي وفحوى حياتنا وجوهرها بين فكي العدم؟  لا بد ان نقول لا للاندثار، للانقراض. لابد ان نقول لا للهلاك لللاوجود للللاشيء للعدمية. اذا ماقلنا لا ورفضنا وابينا وحطمنا عقيدة الموت قد نسطِر بداية الانقلاب على الموت. لو اننا فقط حاولنا العودة الى احلام الحياة التي رافقت ولادة الثورة اوتخيلناها على الاقل فسيكون لنا بهذا انتصار على الموت لأنه في الأحلام تبتدئ الحقيقة.  كل طفل يموت يقتلني، كل امرأة تغتصب تنزع القداسة عن جسدي, كل فقير يشرد يشرِدني، كل هرم اخذوا سقفه يجعل العراء منزلي، كل شاب يقتلونه ينتزع من وجودي البقاء.

من السهولة ان نقتل ومن السهولة ان نقتل ولكن هذا يحدث ثقبا في الوجود. من العدم تشكلت الحياة فالوجودهو نقيض وقرين لللعدم واثبات لذاتيهما. الخليقة والخلق همامضادا اللاوجود. هل الشعب السوري بين حياتين او بين موتين؟ الحياة تجدد نفسها ومن قلب الموت تنبثق الحياة. كن فيكون. كن ايها الشعب السوري اليتيم فالكينونة هي ايضا نقيض الفناء. لن تكون سوريا مملكة الموت. ايها الموت لن تجدنا شركاء.

October 2012 اليسار ارم، ويلز

©Alisar Iram

 

About alisariram

I am an artist, a writer and a researcher. I know Arabic and English . I am interested in music and art of every description. I like to describe myself as the embodiment of a harmonious marriage between two cultures which I value and treasure.
This entry was posted in Alisar's notes and articles, Annihilation, Arabic, Article, Death, suffering, Third phase+ the present phase of the Syrian Revolution and tagged , , , . Bookmark the permalink.

2 Responses to لن تكون سوريا مملكة الموت

  1. Pingback: لن تكون سوريا مملكة الموت | alisariram

  2. alisariram says:

    Reblogged this on alisariram and commented:

    I think this article is as relevant today as when I first wrote it, so I am reblogging it.

Leave a reply to alisariram Cancel reply